فصل: فصل في الحكمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في الحكمة:

قال الله تبارك وتعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقَدْ أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولَوْ الألباب}، وعن عَبْد اللهِ بن عمر رضي الله عنهما قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من حكمة يزيده بِهَا هدى ويرده بِهَا عن ردى» أخرجه البيهقي فِي شعب الإيمان وأبو نعيم فِي الحلية.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: «أوتيت جوامِعَ الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً».
وفِي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت بجوامِعَ الكلم».
وعن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا حسد إلا فِي اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه عَلَى هلكته فِي الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بِهَا ويعلمها». رواه البخاري ومسلم.
وقيل: إن فِي التوراة أنَّ الله قال لموسي عَلَيْهِ وعَلَى نبينا أفضل الصَّلاة والسَّلام [عظم الحكمة فإني لا أجعل الحكمة فِي قلب عبد إلا وأردت أن أغفرَ لَهُ فتعلمها ثُمَّ اعمل بِهَا ثُمَّ ابذلها كي تنال بذَلِكَ كرامتي فِي الدُّنْيَا والآخرة].
وأخرَجَ أبو يعَلَى الموصلي من حديث عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: إني أوتيت جوامِعَ الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصاراً وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أعطيت جوامِعَ الكلم واختصر الْحَدِيث لي اختصاراً.
وَقَالَ لقمان: إن الْقَلْب يحيا بالكلمة من الحكمة كما تحيا الأرض بوابل المطر.
وَقَالَ أبان بن سليم: كلمة حكمة من أخيك خَيْر لك من مالٍ يعطيك.
وَقَالَ بعض الحكماء الحكمة صديقة العقل، وميزان العدل، وعين البيان، وروضة الأرواح، ومزيحة الهموم عن النُّفُوس بإذن الله.
وأنس المستوحش وأمن الخائف ومتجر الرابح وحظ الدُّنْيَا والآخرة بإذن الله لمن وفقه الله.
وسلامة العاجل والآجل لمن وفقه الله.
وَقَالَ آخر:
الحكمة نور الأبصار وروضة الأفكار ومطية الحلم وكفيل النجاح.
وضمين الْخَيْر والرشد والداعية إلى الصواب والسفير بين العقل والقلوب.
لا تندرس آثارها ولا تعفو ربوعها كُلّ ذَلِكَ لمن وفقه الله تعالى.
وروي عن الشعبي أنه قال: لَوْ أن رجلاً سافر من أقصي الشام إلى أقصي اليمن ليسمَعَ كلمة واحدة ينتفع بِهَا فيما يستقبل من عمره ما رَأَيْت أن سفره قَدْ ضاع.
وَقَالَ بعض الْعُلَمَاء من تفرد بالعلم لم توحشه الخلوة ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة وإن هذه القُلُوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
والحكمة موقظة للقُلُوب من سنة الغَفْلَة ومنقذة للبصائر من سنة الحيرة ومحيية لها بإذن الله من موت الجهالة ومستخرجة لها من ضيق الضلالة لمن وفقه الله تعالى.

.فائدة عظيمة:

اعْلم أن من كَانَ داؤه المعصية، فشفاؤه الطاعة، ومن كَانَ داؤه الغَفْلَة، فشفاؤه اليقظة، ومن كَانَ داؤه كثرة الانشغال، فشفاؤه فِي تفريغ البال.
فمن تفرغ من هموم الدُّنْيَا قَلْبهُ، قل تعبه، وتوفر من العبادة نصيبه، واتصل إلى الله مسيره، وارتفع فِي الْجَنَّة مصيره، وتمكن من الذكر والفكر والورع والزهد والاحتراس من وساوس الشيطان، وغوائل النفس.
ومن كثر فِي الدُّنْيَا همه، أظلم طريقه، ونصب بدنه، وضاع وقته، وتشتت شمله، وطاش عقله، وانعقَد لِسَانه عن الذكر، لكثرة همومه وغمومه، وصار مقيد الجوارح عن الطاعة، من قَلْبه فِي كُلّ واد شعبة، ومن عمره لكل شغل حصة.
فاستعذ بِاللهِ من فضول الأعمال والهموم فكل ما شغل الْعَبْد عن الرب فهو مشئوم، ومن فاته رضي مولاه فهو محروم، كُلّ العافية فِي الذكر والطاعة، وكل البَلاء فِي الغَفْلَة والمخالفة، وكل الشفاء فِي الإنابة والتوبة، وانظر لَوْ أن طبيباً نصرانياً نهاك عن شرب الماء البارد لأجل مرض فِي جسدك لأطعته فِي ترك ما نهاك عنهُ، وأَنْتَ تعلَمُ أن الطبيب قَدْ يصدق وقَدْ يكذب وقَدْ يصيب وقَدْ يخطئ وقَدْ ينصح وقَدْ يغض، فما بالك لا تترك ما نهاك عنهُ أنصح الناصحين وأصدق القائلين وأوفِي الواعدين لأجل مرض الْقَلْب الَّذِي إِذَا لم تشف منه فأَنْتَ من أهلك الهالكين.
تَبْغِي الوُصُوْلَ بِسَيْرِ فِيه تَقْصِيْرُ ** لاَ شَكَّ أَنَّكَ فِي مَا رُمْتَ مَغْرُوْرُ

قَدْ سَارَ قَبْلَكَ أَبْطَالٌ فَمَا وَصَلُوْا ** هَذَا وفِي سَيْرِهِمْ جِدٌ وَتَشْمِيْرُ

يَا مُدَّعِي الحُبَّ فِي شَرْعِ الغَرَامِ وَقَدْ ** أَقَامَ بَيِّنَةُ لَكِنَّهَا زُوْرُ

أَفْنَيْتَ عُمَرَكَ فِي لَهُوٍ وفِي لَعَبٍ ** هَذَا وأَنْتَ بَعِيْدُ الدَارِ مَهْجُوْرُ

لَوْ كَانَ قَلْبُكَ حَياً ذُبْتَ مِنْ كَمَدٍ ** مَا لِلْجِرَاحِ بِجِسْمِ المَيْتِ تَأْثِيْرُ

اللَّهُمَّ إنَا نسألك نفساً مطمئنة تؤمن بلقائك وترضي بقضائك، اللَّهُمَّ إنَا نسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك الَّذِي إِذَا دعيت به أجبت، وإِذَا سئلت به أعطيت، وإِذَا استرحمت به رحمت، وإِذَا استفرجت به فرجت أن تغفر سيئاتنا وتبدلها لنا بحسنات يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
وختاماً فالواجب عَلَى الإنسانِ المبادرة إلى الأعمال الصَّالِحَة، وأن ينتهز فرصة الإمكَانِ قبل هجوم هادم اللذات.
وأن يستعين بِاللهِ ويتوكل عَلَيْهِ ويسأله العون فِي تيسير الأعمال الصَّالِحَة وصرف الموانع الحائلة بينه وبينها.
وليحرص عَلَى حفظ القرآن، وتدبره، وتفهمه، والْعَمَل به، وكَذَلِكَ السنة، ويحرص عَلَى أداء الصَّلاة فِي جماعة.
ويحرص عَلَى مجالس الذكر، ويحفظ لِسَانه عن الغيبة والنميمة والسعاية والكذب وَجَمِيع الأعمال والأخلاق السيئة.
ويتهيأ للرحيل، ويتفقَد نَفْسَهُ بما عَلَيْهِ، وما لَهُ فإن كَانَ عنده حقوق لله كزكاة أو لخلقه كأمانات أو عواري أو وصايا أداها بسرعة خشية أن يفَجَاءَهُ الموت وهي عنده.
فإِذَا لم تؤدها أَنْتَ فِي حياتك، فمن بعدك من أولاد أو إِخْوَان يبعد اهتمامهم بذَلِكَ، لأنَّهُمْ يهتمون ويشتغلون بما خلفته لهُمْ وضيعت بسببه نفسك.
فالله الله البدار بالتفتيش عَلَى النفس، والمبادرة بالتوبة والإكثار من الاستغفار.
ومِمَّا يحثك عَلَى ذَلِكَ ذكر مرارة الموت الَّذِي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم هادم اللذات، وتذكر شدة النزع والتفكير فِي الموتي الَّذِينَ حبسوا عَلَى أعمالهم ليجاوزوا بِهَا فلَيْسَ فيهم من يقدر عَلَى محو خطيئة، ولا عَلَى زيادة حسنة.
وعاد بَعْضهمْ مريضاً فَقَالَ لَهُ كيف تجدك؟
قال: هُوَ الموت. قال لَهُ: وكيف علمت أنه الموت؟ قال: أجدني أجتذب اجتذاباً، وكأن الخناجر فِي جوفِي، وكأن جوفِي تنُّور محميٌّ يتلهب.
قال لَهُ: فاعهد، أي أوصي، قال: أري الأمر أعجل من ذَلِكَ فدعا بدواة وصحيفة قال: فوَاللهِ ما أتي بِهَا حتي شخص بصره فمات.
وَقَالَ إبراهيم بن يزيد العبدي: أتاني رياح القيسي فَقَالَ: يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أَهْل الآخرة نحدث بقربهم عهداً.
فانطلقت معه، فأتي المقابر فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فَقَالَ: يا أبا إسحق ما تري هَذَا متمنياً لَوْ مُنِّأَ، قُلْتُ: أن يرد وَاللهِ إلى الدُّنْيَا فيستمتع من طاعة الله ويصلح.
قال: فها نَحْنُ، ثُمَّ نهض فجد واجتهد، فلم يلبث إلا يسيراً حتي مات.
ومِمَّا يحثك عَلَى التأهب والاستعداد لهادم اللذات أن تصور لنفسك عرضها عَلَى ربك وتخجيله إياك بمضيض العتاب عَلَى فعل ما نهاك عنهُ قال جَلَّ وَعَلا: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}.
وَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه تبارك وتعالى لَيْسَ بينه وبينه ترجمان».
وعن صفوان بن محرزٍ قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل، فَقَالَ كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي النجوي يوم القيامة.
فَقَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إن الله يدني المُؤْمِن فيضع عَلَيْهِ كنفه، ويستره من النَّاس، ويقرره بذنوبه. وَيَقُولُ لَهُ أتعرف ذنب كَذَا، أتعرف ذنب كَذَا، حتي إِذَا قرره بذنوبه ورأي فِي نَفْسهِِ أنه قَدْ أهلك. قال: فإني قَدْ سترتها عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وأنَا أغفرها لك اليوم».
ومِمَّا يحثك عَلَى الاستعداد للموت والابتعاد عن المعاصي أن تتخايل وتتصور شهادة المكَانِ الَّذِي تعصي فِيه عَلَيْكَ يوم القيامة.
فعن أَبِي هُرَيْرَةِ قال: قَرَأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فَقَالَ: «أتدرون ما أخبارها، أن تشهد عَلَى كُل عبد بما عمل عَلَى ظهرها، أن تَقُول عمل كَذَا وَكَذَا فِي يوم كَذَا وَكَذَا، فهو أخبارها».
ومِمَّا يحثك عَلَى التأهب والاستعداد للموت والابتعاد عن المعاصي أن تمثل نفسك عِنْدَ بعض زللك كأنه يؤمر بك إلى النار التي لا طاقة لمخلوق بها.
وتصور نفاد اللذة وذهابهَا وبقاء العار والعذاب.
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ شَهْوَتَهُ ** مِنَ الحَرَامِ وَيَبْقَى الإثُمُ وَالعَارُ

تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوْءٍ فِي مَغَبَّتهَا ** لاَ خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَارُ

عن أَبِي هُرَيْرَةِ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ناركم هذه ما يوقَدْ بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءًا من حر جهنم». قَالُوا: وَاللهِ إن كانت لكافية.
وَقَالَ بعض السَّلَف: ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نارٍ وَرُبَّمَا رأيتني أهوي فيها حتي أبلغ قعرها فَكَيْفَ تهنأ الدُّنْيَا من كانت هذه صفته.
وكَانَ عمر رَضِيَ اللهُ عنهُ ربما توقَدْ لَهُ النار ثُمَّ يدني يديه منها ثُمَّ يَقُولُ: يا ابن الخطاب هل لك عَلَى هَذَا صبر.
ومِمَّا يحثك عَلَى الاستعداد وتفقد شؤنك وأمرك ذكر أحوال كثير من السَّلَف الصالح الَّذِي أقلقهم خوف الحساب والْعَذَاب فِي البرزخ والنار.
لما أهديت معاذة العدوية إلى زوجها صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمام ثُمَّ أدخله بيتاً مطيباً فقام يصلي حتي أصبح وفعلت زوجته معاذة مثله.
فَلَمَّا أصبح عاتبه ابن أخيه إلى رجل عنده متغَيْر اللون، فَقَالَ لَهُ: ما الَّذِي بك؟ فَقَالَ: إني ذقت حلاوة الدُّنْيَا فصغر فِي عيني زهرتها وملاعبِهَا، واستوي عندِي حجارتها وذهبها.
ورَأَيْت كأن النَّاس يساقون إلى الْجَنَّة، وانَا أساق إلى النار، فأسهرت لذَلِكَ ليلي، وأظمأت نهاري، وكل ذَلِكَ صغَيْر حقير فِي جنب عفو الله، وثوابه عَزَّ وَجَلَّ وجنب عقابه.
وَقَالَ إبراهيم التيمي مثلت نفسي فِي النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها.
فقُلْتُ لنفسي أي شَيْء تريدين، قَالَتْ أريد أن أردَّ إلى الدُّنْيَا فأعمل صَالِحاً، قال: فقُلْتُ أَنْتِ فِي الأمنية فاعملي.
وسمَعَ عُمَر بن الْخَطَّاب رجلاً يتهجد فِي الليل ويقَرَأَ سورة الطور، فَلَمَّا بلغ قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ}.
قال عمر: قسم ورب الكعبة حق، ثُمَّ رجع إلى بيته فمرض شهراً يعوده النَّاس، ولا يدرون ما سبب مرضه.
وكَانَ جماعة من السَّلَف مرضوا من الخوف ولزموا منازلهم وبَعْضهم صار صَاحِب فراش.
وكَانَ الحسن يَقُولُ فِي وصف الخائفين: قَدْ براهم الخوف فهم أمثال القداح ينظر إليهم الناظر فَيَقُولُ مرضى وما بهم مرض وَيَقُولُ: قَدْ خولطوا وقَدْ خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم.
اللَّهُمَّ يا منور قُلُوب العارفين، يا قاضي حوائج السائلين يا قابل توبة التائبين ويا مفرِّجاً عن المكروبين والمغمومين، تب عَلَيْنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
عن بريدة قال: سمَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ إني أسألك بأني أشهد أنك أَنْتَ الله لا إله إلا أَنْتَ الأحد الصمد الَّذِي لم يلد ولم يولد ولم يكن لَهُ كفواً أحد.
فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والَّذِي نفسي بيده لَقَدْ سأل الله باسمه الأعظم الَّذِي إِذَا دعي به أجاب وإِذَا سئل به أعطى»، أخرجه أبو داود والترمذي.
وعن أنس رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: دعا رجل فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أَنْتَ الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.
فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أتدرون بما دعا؟ قَالُوا: الله ورسوله أعلم. قال: والَّذِي نفسي بيده لَقَدْ دعا الله باسمه الأعظم إِذَا دعي به أجاب وإِذَا سئل به أعطي، أخرجه أصحاب السنن.
عن سعد بن أبي وقاص قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون إذ دعي ربه وَهُوَ فِي بطن الحوت لا إله إلا أَنْتَ سبحانك إني كنت من الظالمين».
فإنه لم يدع بِهَا رجل مسلم فِي شَيْء قط إلا استجاب لَهُ، رواه الترمذي والنسائي والحاكم وَقَالَ صحيح الإسناد.
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «من دعا بهؤلاء الكلمَاتِ الخمس لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه: لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ، لَهُ الملك وله الحمد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قدير لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله». رواه الطبراني بإسناد حسن.
وعن معاذ بن جبل قال: سمَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً وَهُوَ يَقُولُ: يا ذا الجلال والإكرام فَقَالَ: «قَدْ استجيب لك فسل». رواه الترمذي.
اللَّهُمَّ اجعلنا مكثرين لذكرك مؤدين لحقك حافظين لأَمْرِكَ راجين لوعدك راضين فِي جَمِيع حالاتنا عنك.
راغبين فِي كُلّ أمورنا إليك مؤملين لفضلك شاكرين لنعمك.
يا من يحب العفو والإحسان، ويأمر بهما اعف عنا، وأحسن إلينا.
فإنك بالَّذِي أَنْتَ لَهُ أَهْل من عفوك أحق منا بالَّذِي نَحْنُ لَهُ أَهْل من عقوبتك.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ رجاءك فِي قلوبنا، واقطعه عمن سواك، حتي لا نرجو غيرك ولا نستعين إلا إياك، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، ويا أكرم الأكرمين.
اللَّهُمَّ هب لنا اليقين والعافية، وإخلاص التوكل عَلَيْكَ، والاستغناء عن خلقك. واجعل خَيْر أعمالنا ما قارب آجالنا.
اللَّهُمَّ اغننا بما وفقتنا لَهُ من العلم، وزينا بالحلم وأكرمنا بالتقوي وجملنا بالعافية.
اللَّهُمَّ افتح مسامِعَ قلوبنا لذكرك وارزقنا طَاعَتكَ وطاعة رسولك ووفقنا للعمل بِكِتَابِكَ وسنة رسولك.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك الهُدَى والتقي والعافية والغني، ونعوذ بك من درك الشقاء، ومن جهد البَلاء ومن سوء الِقَضَاءِ ومن شماتة الأعداء.
اللَّهُمَّ لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الْخَيْر كله، وإليك يرجع الأمر علانيته وسره، أَهْل الحمد والثناء أَنْتَ، لا إله إلا أَنْتَ سبحانك إنك عَلَى كُلّ شَيْء قدير.
اللَّهُمَّ اغفر لنا جَمِيع ما سلف منا من الذُّنُوب، واعصمنا فيما بقي من أعمارنا، ووفقنا لعمل صالح ترضي به عنا.
اللَّهُمَّ يا سامَعَ كُلّ صوت، ويا بارئ النُّفُوس بعد الموت، يا من لا تشتبه عَلَيْهِ الأصوات، يا عَظِيم الشأن، يا واضح البرهان، يا من هُوَ كُلّ يوم فِي شأن، اغفر لنا ذنوبنا إنك أَنْتَ الغفور الرحيم.
اللَّهُمَّ يا عَظِيم العفو، يا واسع المغفرة، يا قريب الرحمة، يا ذا الجلال والإكرام، هب لنا العافية فِي الدُّنْيَا والآخرة.
اللَّهُمَّ يا حي يا قيوم فرغنا لما خلقتنا لَهُ، ولا تشغلنا بما تكفلت لنا به، وَاجْعَلْنَا ممن يؤمن بلقائك، ويرضي بقضائك، ويقنع بعطائك، ويخشاك حق خشيتك.
اللَّهُمَّ اجعل رزقنا رغداً، ولا تشمت بنا أحداً.
اللَّهُمَّ رغبنا فيما يبقي، وزهدنا فيما يفني، وهب لنا اليقين الَّذِي لا تسكن النُّفُوس إلا إليه، ولا يعول فِي الدين إلا عليه.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك بعزك الَّذِي لا يرام وملكك الَّذِي لا يضام وبنورك الَّذِي ملأ أركَانَ عرشك أن تكفينا شر ما أهمنا وما لا نهتم به وأن تعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
اللَّهُمَّ يا عليم يا حليم يا قوي يا عزيز ياذَا المنِّ والعطا والعز والكبرياء يا من تعنوا لَهُ الوجوه وتخشع لَهُ الأصوات.
وفقنا لصالح الأعمال وأكفنا بحلالك عن حرامك وبِفَضْلِكَ عمن سواك إنك عَلَى كُلّ شَيْء قدير.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك رحمة من عندك تهدي بِهَا قلوبنا، وتجمع بِهَا شملنا، وتلَمَّ بِهَا شعثنا، وترفع بِهَا شاهدنا، وتحفظ بِهَا غائبنا، وتزكي بِهَا أعمالنا، وتلهمنا بِهَا رشدنا، وتعصمنا بِهَا من كُل سوء يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ ارزقنا من فضلك، واكفنا شر خلقك، واحفظ عَلَيْنَا ديننا وصحة أبداننا.
اللَّهُمَّ يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين، ومقيل عثرات العاثرين، نسألك أن تلحقنا بعبادك الصالحين الَّذِي أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ يا عَالمَ الخفيات، ويا رفيع الدرجات، يا غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذا الطول لا إله إلا أَنْتَ إليك المصير.
نسألك أن تذيقنا برد عفوك، وحلاوة رحمتك، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وأرأف الرائفين وأكرم الأكرمين.
اللَّهُمَّ اعتقنا من رق الذُّنُوب، وخلصنا من أشر النُّفُوس، وأذهب عنا وحشة الإساءة، وطهرنا من دنس الذُّنُوب، وباعد بيننا وبين الخطايا وأجرنا من الشيطان الرجيم.
اللَّهُمَّ طيبنا للقائك، وأهلنا لولائك وأدخلنا مَعَ المرحومين من أوليائك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
اللَّهُمَّ أعنا عَلَى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتلاوة كتابك، وَاجْعَلْنَا مِنْ حزبك المفلحين، وأيدنا بجندك المنصورين، وارزقنا مرافقة الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اللَّهُمَّ يا فالق الحب والنوي، يا منشِيءَ الأجساد بعد البلي يا مؤوِيَ المنقطعين إليه، يا كافِي المتوكلين عَلَيْهِ، انقطع الرجَاءَ إلا منك، نسألك أن تمطر محل قلوبنا من سحائب برك وإحسانك وأن توفقنا لموجبات رحمتك وعزائم مغفرتك إنك جواد كريم رؤوف غفور رحيم.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك قلباً سليماً، ولسانَاً صادقاً، وعملاً متقبلاً، ونسألك بركة الحياة وخَيْر الحياة، ونعوذ بك من شر الحياة وشر الوفاة.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك باسمك الأعظم الأغر الأجل الأكرم الَّذِي إِذَا دعيت به أجبت وإِذَا سئلت به أعطيت أن تغفر ذنوبنا وتستر عيوبنا.
ونسألك بوجهك الكريم أكرم الوجوه، يا من عنت لَهُ الوجوه، وخضعت لَهُ الرقاب، وخشعت لَهُ الأصوات، ياذَا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم، يا مالك الملك، يا من هُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قدير، وبكل شَيْء عليم، لا إله إلا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ نستغيث، ومن عذابك نستجير.
اللَّهُمَّ اجعلنا نخشاك حتي كأننا نراك، واسعدنا بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك.
اللَّهُمَّ إنك تسمَعَ كلامنا، وتري مكاننا، وتعلَمُ سرنا وعلانيتنا لا يخفِي عَلَيْكَ شَيء من أمرنا نَحْنُ البؤساء الفقراء إليك، المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المعترفون بذنوبنا.
نسألك مسألة المسكين، ونبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وندعوك دعاء الخائف الضرير.
اللَّهُمَّ يا من خضعت لَهُ رقابنا، وفاضت لَهُ عباراتنا، وذلت لَهُ أجسامنا، ورغمت لَهُ أنوفنا لا تجعلنا بدعائك أشقياءا، وكن بنا رؤوفاً يا خَيْر المسؤلين.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك نفساً مطمئنة، تؤمن بلقائك وترضي بقضائك، وتقنع بعطائك، يا أرأف الرائفين، وأرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك التَّوْفِيق لما تحبه من الأعمال، ونسألك صدق التوكل عَلَيْكَ، حسن الظن بك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ اجعلنا من عبادك المخبتين، الغرِّ المحجَّلين الوفد المتقبلين يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ إنَا نسألك حياة طيبة، ونفساً تقية، وعيشة نقية، وميتة سوية، ومرداً غَيْرَ مخزٍ ولا فاضح.
اللَّهُمَّ اجعلنا من أَهْل الصلاح والنجاح والفلاح، ومن المؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الْخَيْر إنك عَلَى كُلّ شَيء قدير.
يا ودود ياذَا العرش المجيد يا مبديء يا معيد يا فعال لما تريد نسألك بنور وجهك الَّذِي ملأ أركَانَ عرشك وبقدرتك التي قدرت بِهَا عَلَى جَمِيع خلقك وبِرَحْمَتِكَ التي وسعت كُلّ شَيْء لا إله إلا أَنْتَ أن تغفر ذنوبنا وسيئاتنا وأن تبدلها لنا بحسنات إنك جواد كريم رؤوف رحيم.
اللَّهُمَّ افتح لدعائنا باب القبول والإجابة وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيع المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يا أرحم الراحمين.
وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
فَوَائِد عظيمة النفع:
واعجباً منك يضيع منك الشَيء القليل وتتكدر وتتأسف، وقَدْ ضاع أشرف الأشْيَاءِ عندك وَهُوَ عمرك الَّذِي لا عوضَ لَهُ، وأَنْتَ عِنْدَ قتالات الأوقات الكورة والتلفاز والمذياع ونحوها من قطاع الطَرِيق عن الأعمال الصَّالِحَة، ولكن ستندم {يوم يناد المنادي من مكَانٍ قريبٍ * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذَلِكَ يوم الخروج}.
قال بَعْضهمْ:
أُقِلّبُ كُتُباً طَالَمَا قَدْ جَمَعْتُهَا ** وَأَفْنَيْتُ فِيها العَيْنَ وَالعَيْنَ وَالِيْدَا

وَأَصْبَحْتُ ذَا ظَنٍّ بِهَا وَتَمَسُّكٍ ** لِعِلْمِيْ بِمَا قَدْ صُغْتُ فِيها مُنَضَّدَا

وَاحْذَرُ جُهْدِي أَنْ تُنَالَ بِنَائِلٍ ** مَهِيْنٍ وَأَنْ يَغْتَالَهَا غَائِلُ الرَّدَى

وَأَعْلَمُ حَقاً أنَّنِيْ لَسْتُ بَاقِياً ** فَيَا لَيْتَ شِعْرِيْ مَنْ يُقَلّبُهَا غَدَا

آخر:
أَتَطْمَعُ أَنْ تُخَلَّدَ لاَ أبالَكْ ** أَمِنْتَ مِنَ المَنِيَّةِ أَنْ تَنَالَكْ

فَكُنْ مُتَوِّقعاً لِهُجُوْمِ مَوْتٍ ** يُشَتّتُ بَعْدَ جَمْعِهِمُوْا عِيَالَكْ

كَأَنِّيْ بِالتُّرَابِ عَلَيْكَ يُحْثَى ** وَبَالبَاكِيْنَ يَقْتَسِمُونَ مَالَكْ

آخر:
يَا مَنْ سَيَنْأى عن بَنِيْهْ ** كَمَا نَأَى عنهُ أَبُوْهْ

مَثّلْ لِنَفْسِكَ قَوْلَهُمْ ** جَاءَ اليَقِيْنُ فَوجِّهُوْهْ

وَتَحَلَّلُوْا مِنْ ظُلْمِهِ ** قِبْلَ الْمَمَاتِ وحَلِّلُوْهْ

تم هَذَا الجزء بعون الله وتوفيقه ونسأل الله الحي القيوم العَلَى العَظِيم ذا الجلال والإكرام الواحد الأحد الفرد الصمد الَّذِي لم يلد ولم يولد ولم يكن لَهُ كفواً أحد أن يعز الإسلام والمُسْلِمِيْنَ وأن يخذل الكفرة والمشركين وأعوأنَهُمْ وأن يصلح من فِي صلاحه صلاحٌ للإسلام والمُسْلِمِيْنَ ويهلك من فِي هلاكه عزٌ وصلاحٌ للإسلام والمُسْلِمِيْنَ وأن يلَمَّ شعث المُسْلِمِيْنَ ويجمَعَ شملهم ويوحد كلمتهم وأن يحفظ بلادهم ويصلح أولادهم ويشف مرضاهم ويعافِي مبتلاهم ويرحم موتاهم ويأخذ بأيدينا إلى كُلّ خَيْر ويعصمنا وإياهم من كُلّ شر ويحفظنا وإياهم من كُلّ ضر وأن يغفر لنا ولوالدينا وَجَمِيع المُسْلِمِيْنَ برحمته إنه أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.
والله المسئول أن يجعل عملنا هَذَا خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به نفعاًَ عاماً إنه سميع قريب مجيب عَلَى كُلّ شَيْء قدير.
والحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام عَلَى أشرف المرسلين نبينا مُحَمَّد خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين وعَلَى آله وصحبه أجمعين. ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلِّم تسليماً كثيراً.
فَوَائِد عظيمة النفع:
وَقَفَ قَوْمٌ عَلَى عَالِم فَقَالُوا: إِنَّا سَائِلُوكَ أَفَمُجِيبُنَا أَنْتَ؟ قَالَ: سَلُوا وَلا تُكْثِرُوا، فَإِنَّ النَّهَارَ لَنْ يَرْجِعَ وَالْعُمُرَ لَنْ يَعُودَ، وَالطَّالِبَ حَثِيثٌ فِي طَلَبِهِ. قَالُوا: فَأَوْصِنَا. قَالَ: تَزَوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفَرِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أَبْلَغَ الْبُغْيَةَ. ثُمَّ قَالَ: الأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَارِ فَخَلَّدُوهَا أَحْسَنَ الأَعْمَال، فَإِنَّ الْفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السَحَابِ، والتَّوَانِي مِنْ أَخْلاقَ الْكُسَالَى وَالْخَوَالِفِ، وَمَنِ اسْتَوْطَنَ مَرْكَبَ الْعَجْزِ عَثَرَ بِهِ. تَزَوَّجَ التَّوَانِي بِالْكَسَلِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الْخُسْرَانُ. اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
تَزَوَّجَتِ الْبَطَالَةَ بالتَّوَانِي ** فَأَوْلَدَهَا غُلامًا مَعَ غُلامِهْ

فَأَمَّا الابْن سَمُّوه بِفَقْرٍ ** وَأَمَّا الْبِنْت سَمُّوهَا نَدَامَهْ

أَيُهَا الأَخ تَدَبَّرْ أَمْرَكَ فَإِنَّكَ في زَمَنِ الرِّبْح ووَقْت الْبَذْرِ وَاحْذَرْ أَنْ يَخْدَعَكَ الْعَدُوّ عن نَفِيْس هَذَا الجوهَر فَتُنْفِقُهُ بكَفِّ التَّبْذير وَاللهِ لِئْن فَعَلْتَ لَتَغْرَسَنَّ شَجَرَةَ النَّدامَة فَيَتَساقَطُ عَلَيْكَ من كُلّ فن منها حَسْرَة وندامة وَاحْذَر من اخْتِلاسِ الأعْدَاءِ لَهُ وَالأَعداء أرْبَعَة: إبلَيْسَ لَعَنَهُ الله، والدُّنْيَا، والنفس الأمارة بالسُّوء، والهَوَى.
إِنِّي بُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُوا ** إِلا لأَجْلِ شَقَاوَتِي وَعَنَائِي

إِبلَيْسَ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى ** كَيْفَ الْخَلاصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِي

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمْ
مُلاحظة:
لا يسمح لأي إنسان أنْ يَخْتَصرَهُ أوْ يَتَعَرَّضَ له بما يُسَمُونَه تَحقِيقاً لأَنْ الإِختصار سَبَبٌ لتعطيل الأصْل والتحقيق أرَى أنَّهُ إتهام للمؤلف، ولا يُطبع إلا وقفاً لله تعالى على من ينتفع به من المسلمين.
فائدةٌ عَظِيمَةُ النَّفَعْ لِمَنْ وَفَّقَهُ الله:
مَا أنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أنْ عَرَّفَه لاَ إلهَ إِلا الله، وفهَّمَهُ معناها، ووفقه للعمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، والدَّعْوَةِ إليْهَا.
الذِّكْرُ أَصْدَقُ قَوْلٍ فَافْهَمِ الْخَبَرَا ** لأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَدْ أَنْشَأَ الْبَشَرَا

فَاعْمَلْ بِهِ إِنْ تُرِدْ فَهْمًا وَمَعْرِفَةً ** يَا ذَا النُّهَى كَيْ تَنَالَ الْعِزَّ وَالْفَخَرَا

وَتَحْمدِ اللهَ فِي يَوْمِ الْمَعادَ إِذَا ** جَاءَ الْحِسَابُ وَعَمَّ الْخَوْفُ وَانْتَشَرَا

للهِ دَرُّ رِجَالٍ عَامِلِينَ بِهِ ** فِيمَا يَدِقُ وَمَا قَدْ جَلَّ وَاشْتَهَرَا

آخر:
جَمِيعُ الْكُتبِ يُدْرِك مَنْ قَرَاهَا ** مِلالٌ أَوْ فُتُورُ أَوْ سَآمَهْ

سِوَى الْقُرْآنِ فَافْهَمْ وَاسْتَمِعْ لِي ** وَقَوْلِ الْمُصْطَفَى يَا ذَا الشَّهَامَهْ

(1)
اللِّيْلُ والنَّهَارَ يَعْمَلان فِيْكَ فاعْمَلْ فيهما أَعْمَالاً صَالِحَةً تَرْبَحَ وتَحْمَدِ العَاقِبةَ الحَمَيْدَة إن شَاءَ الله تَعَالَى.
(2)
المَلائِكةُ يَكْتُبَان مَا تَلفَّظُ به، فَاحْرَصْ عَلَى أنْ لا تَنْطِقَ إلاَّ بِمَا يَسُرُّكَ يَوم القِيَامِةْ أَشْرَفُ الأَشْيَاءِ قَبلْبُكَ، وَوَقْتُكَ، فَإِذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وَضَيَّعْتَ وَقْتَكَ، فَمَاذَا يَبْقَى مَعَكَ، كُلّ الْفَوَائِد ذَهَبتْ.
إِنِّي أَبُثُّكَ مِنْ حَدِيثِي ** إِنَّ الْحَدِيثَ لَهُ شُجُونُ

غَيَّرْتُ مَوْضِعَ مِرْقِدِي ** لَيْلاً فَفَارَقَنِي السُّكُونُ

قُلْ لِي فَأَوَّلَ لَيْلَةٍ ** في القَبْرِ كَيْفَ تَرَى يَكُونُ

(3)
اعْلَم أنَّ قِصَرَ الأمَلِ عَلَيْهِ مَدِارٌ عَظِيم، وحِصْنُ الأمَلِ ذِكْرُ الموِتِ، وحِصْنُ حِصْنِهِ ذِكْرُ فِجْأَةِ الموتِ وَأخْذُ الإِنسان على غِرَّةٍ وغَفْلةٍ، وهُوَ في غِرُرٍ وفُتُور عن الْعَمَل للآخرة. نَسْأَلْ الله أَنْ يُوقِضَ قُلوبَنَا إنه على كُلّ شَيْء قدير. اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وآله وسلم.
سَلِ اللهَ عَقْلاً نَافِعًا وَاسْتَعِذْ بِهِ ** مِن الْجَهْلِ تَسْأَلْ خَيْرُ مُعْطٍ لِسَائِلِ

فَبِالْعَقْلِ تَسْتَوْفِي الْفَضَائِلِ كُلِّهَا ** كَمَا الْجَهْلُ مُسْتَوْفٍ جَمِيعَ الرَّذَائِل

فَائِدَةٌ عَظِيْمَةُ النَّفْعِ:
قال أحد الْعُلَمَاء رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: عَلَيْكَ يا أخي بمحاربة الشيطان وقهره، وَذَلِكَ لخصلتين أحدهما: أنه عدو مظِلّ مبين لا مطمَعَ فيه بمصالحة واتقاء شره أبدًا لأنه لا يرضيه ويقنعه إِلا هلاكك أصلاً فلا وجه إذًا للأمن من هَذَا الْعَدُوّ والغَفْلَة عَنْهُ، قال الله جَلَّ و... َعَلا: {أَلَمْ أَعْهَدْ إليكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}، والخصلة الثَّانِيَة أنه مجبول على عداوتك ومنتصب لمحاربتك في الليل والنَّهَارَ يرميك بسهامه وأَنْتَ غَافِل عَنْهُ ثُمَّ هوله مَعَ جَمِيع الْمُؤْمِنِين عداوة عامة، ومَعَ المجتهد في العبادة والعلم عداوة خاصة ومعه عَلَيْكَ أعوان نفسك الأمارة بالسُّوء والهوى والدُّنْيَا وَهُوَ فارغ وأَنْتَ مشغول وَهُوَ يراك وأَنْتَ لا تراه وأَنْتَ تنساه ولا ينساك فإذًا لابد من محاربته وقهره، وإِلا فلاتأ من الفساد والهلاك والدمار، ومحاربته بالاستعاذة بِاللهِ والإكثار من ذكره.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اعْلَمْ وفقنا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع المسلمين أنه لم يؤثر عن أحدٍ من السَّلَف الصالح من الصحابة وتابعيهم بإحسان تعَظِيم أحد من أَهْل البدع والموالين لأَهْل البدع والمنادين بموالاتهم، لأن أَهْل البدع مرضى قُلُوب ويخشى على من خالطهم أو اتصل بِهُمْ أن يصل إليه من ما بِهُمْ من هَذَا الداء العضال، لأن المريض يعدي الصحيح ولا عكس، فالحذر الحذر مِنْ جَمِيعِ أَهْل البدع، ومن أَهْل البدع الَّذِينَ يجب البعد عنهم وهجرانهم، الجهمية، والرافضة، والمعتزلة، والماتريدية، والخوارج، والصوفية، والأشاعرة، ومن على طريقتهم من الطوائف المنحرفة عن طريقة السَّلَف، فينبغي للمسلم أن يحذرهم ويحذر عنهم وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.
فائدة عظيمة المنفعة:
العلم بما جَاءَ عن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه وما جَاءَ عن رسوله صلى الله عليه وسلم خَيْر ميراث، والتَّوْفِيق من الله خَيْر قائد، والاجتهاد في طاعة الله خَيْر بضاعة ولا مال أحسن من عمل الرجل في يده ولا مصيبة أعظم من الكفر بِاللهِ، ولا عوين أوثق من الاعتماد على الله، ثُمَّ مشاورة أصحاب الرأي من الْمُؤْمِنِين، ولا أوحش من الكبر والعجب والكفر والنفاق.